للا يعلم الكثير أن وراء رجال الملالي والفرمانات الدينية في الجمهورية الإيرانية، هناك فن سينمائي وصل إلى العالمية رغم كل تلك القيود، لا سيما المخرج عباس كياروستامي (1940)، صانع فيلم «طعم الكرز» (1997)، الذي يحكي بجرأة عن فكرة الموت والانتحار، والحائز السعفة الذهبية في مهرجان كان Cannes السينمائي، هو الباب الذي عبر منه الغرب نحو اكتشاف السينما الإيرانية.
واهتم محمد رضا شاه بالسينما وتميزت السينما في عصره بالعصرية والانفتاح على الغرب، وكانت سينما الخمسينات وحتى أواخر السبعينات، أي قبل الثورة الإسلامية، لها طابع مختلف تماماً عن السينما بعد الثورة، فكانت الموضوعات أكثر انفتاحاً، ولم تكن هناك رقابة صارمة على الموضوعات والمشاهد التي يتضمنها الفيلم، فكثير من الأفلام كانت تمتلئ بالمشاهد الساخنة، وكانت أزياء الفنانات أقرب للممثلات في أوروبا وأمريكا. فلم يكن هناك مانع من ظهور الممثلات عاريات في بعض الأحيان.
ولاية الفقيه تسيطر
وبعد الثورة الإسلامية عام 1979 بدأ عصر «ولاية الفقيه»، والذي ألقى بظلاله على كافة المستويات الثقافية والاجتماعية والفنية، وبالتالي تغيرت السينما الإيرانية تغيراً جذرياً، حيث اعتبر الخميني وبعض المرجعيات الإيرانية أن السينما رمز من رموز الفساد، والتأثير الغربي في عهد الشاه، الأمر الذي دفع البعض بالقيام بحرق دور العرض في العديد من المحافظات الإيرانية، وكانت أشهر تلك الحوادث حريق سينما «ركس آبادان”، التي أشعل الثوار النيران فيها، وفقد أكثر من 500 شخص حياته.
وفي ظل هذه التغيرات قرر بعض المبدعون الإيرانيون السفر خارج إيران، بحثاً عن آفاق جديدة للإبداع بدلاً من البقاء في حكم الخميني، ووافق البعض الآخر على العمل بالشروط الجديدة.
سينما الدفاع المقدس
بدأ الخميني يستخدم السينما كأداة لتأصيل أفكار وتوجهات الثورة الإسلامية في نفوس الشعب الإيراني، فبدأت الدولة تنتج أفلاماً تحت اسم «الدفاع المقدس»، التي تهدف لدعم السينما الحماسية والثورية، فكانت في البداية تقتصر على أفلام الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988)، ثم بدأت تشمل أفلام الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس، وحتى الآن يقام مهرجان «سينما الدفاع المقدس» مرة كل عامين في إيران.
واستطاعت الثورة الخمينية أن تمحو سينما ما قبل الثورة، لم يكن هذا من باب جودة الأفلام الإيرانية بعد الثورة فحسب، بل إن السبب الرئيسي هو منعها تماماً من العرض باعتبارها تعبر عن روح النظام الفاسد.
منع أعمال
والقائمة التي تضم أسماء المخرجين الإيرانيين التي منعت أعمالهم من العرض في إيران «عباس كياروستمي، كمال تبريزي، محسن مخملباف»، لكن الدولة تسمح لهم بالمشاركة في المهرجانات الرسمية بإيران، لكن أحياناً لم تسمح لهم بعرض أفلامهم بدور العرض الإيرانية. فمثلاً فيلم «حالة تسلل» للمخرج جعفر بناهي، شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فجر السينمائي الدولي، لكنه منع من العرض بعد ذلك.
جعفر بناهي أحد أكبر المخرجين الإيرانيين شهرة الذين عانوا من قمع النظام لهم، حيث تم الحكم عليه بالسجن 6 سنوات ومنع من تصوير أيه أعمال فنية لمدة 20 عاماً، وذلك بعد أن وجهت له الحكومة الإيرانية تهمة الاشتراك في الثورة الخضراء عام 2009، والتي اتهمت الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بتزوير نتيجة الانتخابات الرئاسية.
روحاني ينفتح
وفي 2013، أعلنت السلطات الإيرانية إعادة افتتاح مركز شهير لصناعة السينما والفنون، بعد ثلاث سنوات من غلقه على يد متشددين فيما يبدو أنه قرار يعكس رؤية أكثر انفتاحا لدى الرئيس الجديد ذي الميول المعتدلة حسن روحاني.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (ايرنا) عن نائب وزير الثقافة حجة الله أيوبي، قوله إن إعادة فتح “دار السينما” مؤشر على دعم حكومة روحاني لصناعة السينما”.
وينتمي نحو 5 آلاف شخص من العاملين في المجال الفني لعضوية ذلك المركز الفني.
سينما الانسان
بالرغم من أن الأفلام الإيرانية لا تخلو من التلميحات والإسقاطات السياسية العديدة، فإنه يمكن لكل متابعي ورواد السينما الإيرانية، وصفها بـ«سينما الإنسان”، حيث جاء فيلمه «باران»، ليعالج أزمة عمل المرأة، حيث يروي مأساة فتاة جميلة تتنكر في زيّ شاب ليُسمح لها العمل في ورشة عمارة، لتتمكن من إعالة عائلتها.
أمّا أصغر فرهادي، فيأخذ المشاهدين بجرأة أكبر إلى عالم متشعبّ من الأفكار الدينية والسلوكيات الاجتماعية في أفلامه الثلاثة «الرقص مع الغبار»، «انفصال»، «الماضي».
اللجوء إلى ممثليين عاديين
يلجأ معظم المخرجين الإيرانيين إلى اختيار أناسٍ عاديين، غير ممثلين، للعب أدوار البطولة. يؤكد جرجورة أنّ «المخرج يعرفهم جيداً إلى نصه ويدربهم ويعتمد نجاح الأمر على مدى براعته في إدارتهم واستفزازهم بطريقة تدفعهم إلى التمثيل بعفوية مطلقة».
كما أن للمخرجين الإيرانيين تجارب كثيرة ناجحة مع الأطفال، الذين يختارونهم للتمثيل في أفلامهم، «إنهم بارعون في التعاطي مع الأطفال، وجعلهم يقدمون بأجسادهم وأصواتهم أسمى وأجمل المشاعر»، يضيف جرجورة. وتعتبر أفلام المخرج مجيد مجيدي نموذجاً في براعة التمثيل، خصوصاً لدى الأطفال، كفيلميّ «أطفال السماء» و«لون الفردوس».
من جهة أخرى، يستخدم معظم المخرجين الإيرانيين أسلوب «المسرح الكلاسيكي القديم»، الذي يقوم على وحدة الزمان والمكان، فيصوّر الفيلم كاملاً في مكان واحد وزمان محدود، كفيلم «شيرين» لعباس كياروستامي وفيلم «انفصال» لأصغر فرهادي. ويعتبر جرجورة هذا الأسلوب “لافتاً وجذاباً، ينجح المخرجون الإيرانيون بتقديمهم بطريقة غير مملة، وهو أمر يحتاج إلى براعة عالية».