عرضنا في الجزء الأول من ظلال النار، حرب الردود والخطابات والدبلوماسيات الخارجية بين إيران وإسرائيل والتي شهدت حدةً وتصاعدًا لم يكونا موجودين من ذي قبل، حتى في أكثر الأحداث ذروةً واحتدامًا بين الطرفين طيلة العقود الماضية.
وفي هذا الجزء نستعرض شيئًا جديدًا، وقد كان مبتدئ قصة أكبر موجة قصف إسرائيلي على الأراضي السورية منذ عام 1982 ميلاديًا، هو ادعاء إسرائيل أن هناك طائرة مسيَّرة “الدرون” إيرنية اجتاحت أجواء الجولان، فتسللت إسرائيل عبر ذلك تحت ستار الدفاع عن سيادتها وهاجمت أهدافًا سورية وإيرانية بضربات تتالت لعدة ساعات.
طائرة الدرون الأمريكية
أحد المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، وهو جوناثان كونريكوس، أسرد لشبكة CNN أن طائرة “الدرون” الإيرانية، التي تم إسقاطها في الأجواء السوري المحتلة، هي نسخة أو نموذج محاكاة من طائرة أخرى أمريكية تدعى باسم “Sentinel” أو “الحارس”.
منوهًا أن إيران اعترضت طائرة “RQ-170 Sentinel”، في نهاية عام 2011، وقامت على إثر ذلك عقبها بمدة عامين بصنع طائرة مشابهة لها.
وذكرت الحكومة الأمريكية حينذاك إن الطائرة كانت في مهمة استطلاعية، وتعطلت قبل أن يتم إسقاطها من قبل إيران، ولكن طهران نفت وكذّبت بعض الحديث من الرواية الأمريكية، وذكرت إن الطائرة هبطت دون أن تتحطم، قبل أن يتم عرضها من قبل مسؤولين أمريكيين وهي مكتملة وغير محطمَّة.
ولم تتمكن الولايات المتحدة من التخلص من طائرتها “الدرون”، رغم أن من ضمن ميزاتها أنّها تفجّر نفسها عندما تفقد القوى المشغلة للطائرة السيطرة عليها.
وقد انطلقت الطائرة من مطار “T4 / التيفور” العسكري بالقرب من حمص، قبل أن يتم استهداف الطائرة من قبل طائرات الأباتشي الإسرائيلية عند نقطة القنيطرة الحدودية السورية، وقد بثت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورًا في صحافتها ذكرت أنها لحطام طائرة الدرون الإيرانية.
ولكن الحكومة الإسرائيلية تؤكد أن الطائرة التي تم إسقاطها هي إيرانية من طراز يسير، حتى أن القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي نقلت عن مصادر عسكرية لم تحدد هويتها، تأكيدًا على أمر إيرانية الطائرة، وبثت تسجيلًا حول عملية إسقاط الطائرة بصاروخ باتريوت.
وهذا بالطبع وسط نفي إيراني حول علاقتها بالطائرة.
وعلي الجانب السوري فقد أصدرت غرفة عمليات سوريا بيانًا حيال هذا الأمر، والذي تناول أن الطائرات المسيرة استخدمت لجمع المعلومات حول المنظمات الإرهابية وتنظيم الدولة الإسلامية.
المقاتلة الإسرائيلية F16
لم تكن الهجمات الإسرائيلية بهذه الصورة الفجة والتوسعية على سوريا قاصرةً على سبب تدخل طائرة الدرون الإيرانية في أجواء سوريا، بل أيضًا كان السبب في إسقاط مقاتلة F16 إسرائيلية، كان فيها طياران، أصيب واحد منهما بإصابات بالغة، ونجا الآخر.
وقد سقطت الطائرة في السفوح الغربية لمنطقة جبل الشيخ الخاضعة لسيطرة إسرائيل.
كانت الطائرة تشارك في الأمر العسكري الإسرائيلي الذي وجّه لسلاح الجو خاصتها، بالرد على تدخل طائرة الدرون الإيرانية في أجوائها، فقد كانت الفرصة التي تتحينها إسرائيل. ودكت العديد من الأهداف السورية والإيرانية.
ولكنها كانت الطائرة الأولى التي تسقط لإسرائيل منذ عام 1982 ميلاديًا، حيث آخر هجوم جوي على سورية.
وقد صرّح الجيش الإسرائيلي أن الطائرة المقاتلة كانت عائدة من مهمة قصفت خلالها المنشأة أو المركبة الإيرانية في سورية تستخدم الطائرة الإيرانية بدون طيار التي أسقطتها إسرائيل.
وقد كشف تحقيقًا لسلاح الجو الإسرائيلي، صدر في الحادي عشر من هذا الشهر، أن طاقم الطائرة طراز F16 التي أصيبت بصواريخ أطلقتها قوات النظام السوري، لم يتمكن من تنفيذ “مناورة الهرب”.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، التي نشرت التحقيق على موقعها الإلكتروني، أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن الطائرة كانت تحلّق بشكل منخفض، ثم اتجهت للتحليق على علو شاهق للغاية؛ لمتابعة عملية تدمير المركبة التي أطلقت الطائرة الإيرانية دون طيار، ويتم منها التحكم في تلك الطائرة بمطار تيفور العسكري السوري قرب تدمر.
ذكر التحقيق أن 8 طائرات من طراز F16 شاركت في مهمة القصف الجوي على المركبة، التي أطلقت الطائرة الإيرانية والمطار السوري، ومحيطه في العمق السوري بمدينة تدمر.
وللتأكد من مدى صوابية ودقة الضربات فقد لجأت بعض الطائرات للتحليق على ارتفاعات كبيرة، وأن الطائرة التي أسقطت كانت تقم بهذا الفعل، بهدف التحقق من أن الصواريخ أصابت السيارة بالفعل، واعتبرت أن ذلك الفعل يعد نقطة ضعف وسلبية أداء، وقد يعرّضها للإصابة، وهو ما حدث بالفعل.
وأضافت التحقيقات، أن طاقم الطائرة كان قادرًا على تحديد وتفادي إطلاق الصواريخ تجاهها.
صاروخ سام
في تقرير لموقع Euro News، أفاد مسؤول إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه للموقع، أن الطائرة الإسرائيلية فعليًّا أسقطت عبر صاروخ سام موجَّه مضاَد للطائرات.
جدير بالذكر أن التحقيقات سالفة الذكر أشارت إلى أن دفاعات النظام السوري أطلقت أكثر من 20 صاروخًا على الطائرات الإسرائيلية، وهذا الكم من الصواريخ هو كمٌ ورقمٌ كبير بشكل غير اعتياديّ، ولفتت إلى أن وابل الصواريخ كان على مرأى من المدنيين الإسرائيليين في المناطق الشمالية، وحتى الوسط.
ونقلًا عن الجزيرة نت، يصرّح جيش النظام السوري أن الصواريخ التي استخدمت في عملية إسقاط الطائرة كانت صواريخ “S – 200” أو اسمها الدارج “سام 5″، أنها منظومة دفاعية روسية الصنع والتطوير، وتم تصميمها عام 1967 ميلاديًا، ويبلغ مداها أكثر من 150 كم، وتقم بإصابة الأهداف بصورة فائقة الدقة، إنها شديدة الفعالية.
امتلكت سورية هذه الصواريخ منذ ثمانينات القرن الماضي من روسيا، وقد صرّح الإعلام الحربي في سورية أن هذه الصواريخ موزّعة عبر بطاريات، وكل بطارية تتألف من ستة قواذف صواريخ، ورادار تحكم بالنيران، يمكن أن توصَّل بمحطة رادارية بعيدة المدى.
ويبلغ طول الصاروخ الواحد من منظومة “أس 200” عشرة أمتار، ويبلغ طول قطره متر مع معززات الدفع، ودون هذه المعززات 80 سنتيمترًا، بينما يبلغ الوزن عند الإطلاق عشرة أطنان. وتبلغ سرعته القصوى فتبلغ 3.5 ماك -والماك هو معادلة سرعة الصاروخ بسرعة الصوت-، والمدى الأقصى 300 كيلومترًا، والمدى الأدنى 80 كيلومترًا، والارتفاع 29 كيلومترًا. وتطلَق هذه الصواريخ عبر توجيه لاسلكيّ في المرحلة الأولى، ثم بتوجيه راداريّ إيجابي.
هذه المنظومة كانت إحدى المنظومات التي تسابقت عليها دول العالم لاقتنائها، قبيل إطلاق منظومة “S-400” الروسية أيضًا فائقة الفعالية والدقة والكفاءة. وفي مايو/أيار 2013، نقلت مصادر إخبارية عن مصدر عسكري سوريّ، أن روسيا سلمت مجموعة من صواريخ S200، ومنصات إطلاق، للجيش السوري بعد اندلاع الأزمة السورية، وأن خبراء سوريين قد أتموا تدريباتهم على تلك المنظومة الصاروخية التي باتت منذ فترة خاضعة لإشراف وتحكم سوريّ بصورة كاملة، دون حاجة لإدارتها من قبل خبراء روسيين.
كما أن النظام السوري يمتلك أعدادًا من منظومات مختلفة المضادة للطائرات والدفاع الجوي مثل، منظومتي “بانتسير”، و”تور أم” الروسيتين. ومنظومات “بوك أم 2″، و”أس أي 8 جيكو”، “أس أي 3 غوا”، وتنتمي معظم هذه المنظومات إلى الترسانة الروسية الصناعية العملاقة للسلاح.
غالب الظن أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وأن الصواريخ العشرين التي أطلقتها مضادات الطائرات السورية، عدت هذا الأمر، فقد أكّد مراسل قناة أورينت، في ريف القنيطرة، أن أربعة صواريخ أطلقت من اللواء 89، في منطقة جباب الواقعة شمالي درعا، بالقرب من منطقة الصنمين، حيث توجَد هناك كتيبة للدفاع الجوي تسيطر عليها مليشيات إيرانية، وقد تصدت منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية لها، وأسقطت صاروخًا تناثرت بقاياه في القرى الأمامية لمحافظة القنيطرة.
وقد أكد أفخاي أدرعي، الناطق باللغة العربية، باسم الجيش الإسرائيليّ، أن وحدات من الجيش الإسرائيلي تصدت لمحاولة عدوان بعدة صواريخ على ما دعاه “السيادة الوطنية الإسرائيلية” من قبل إيران، أطلقت من الأراضي السورية وقد اخترقت “الأراضي الإسرائيلية”، ورصدت القطعة الجوية في أنظمة الدفاع الجوي في مرحلة مبكرة.
في هذا الجزء حاولنا أن نقدم ملخصًا عسكريًا مبسَّطًا لفض الاشتباك حول هذا الكم من الصواريخ والطائرات والنيران التي اندلعت في ساعات معدودة وقد ترتب عليها الكثير من الأحاديث والتداعيات التي سيتم إيرادها لاحقًا.
إن الناظر إلى عبارة “صاروخ وطائرتان” يعتقد أن القضية تجمَل فيها، ولكنها تحتاج إلى تفصيل موسَّع، هذا يعطي لمحة كاشفة وتبيان لما تمتلكه هذه الدول من ترسانات أسلحتها وكيف تطورت استراتيچياتها في استخدامها وتوظيفها، لا سيما سورية، والتي قد منحت ما نستطيع أن نقول أنه بمثابة ضوءًا أخضر للرد المؤطَّر والمحجَّم على التدخل الإسرائيلي، وقد كان ردًا رغم ضآلته مؤثرًا، فقد وصف إسقاط الإف 16 الإسرائيلية بأنه بمثابة “صفعة” على وجه إسرائيل، في حادثة هي الأولى من نوعها لسلاح الجو الإسرائيلي منذ مدد بعيدة.
تشتم إسرائيل رائحة طهران من وراء إسقاط مقاتلتها، كما إنها تعلم أن سورية قد تلقت دعمًا عسكريًا تدريبيًا وتنظيميًا هائلين من قبل المليشيات الإيرانية التي تنتشر على أراضيها، ولكن إيران تنفي إسقاطها للمقاتلة الإسرائيلية، ولكن هذا أدّى إلى ولوج إيران في التناطح مع إسرائيل ردًا برد، وتهدبدًا بتهديد، وتحفيز كل من الطرفين لجنودهما، وألويتهما، وأسلحتهما للتصعيد، وأن يبرز كل منهما أسلحة جديدة واستراتيچيات عسكرية أكثر تطورًا لقتال قد يلوح في الأفق الذذي لن يكون بعيدًا، إذا ما استمرت الأمور هذه الصورة.